قراءة في التصعيد الإسرائيلي ضد إيران

 

إسرائيل قصفت، أمس، القنصلية الإيرانية في دمشق، مما يمثل تصعيدا كبيرا في حرب الظل بينهما، وأدى الهجوم إلى القيادي الكبير في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه.

وبصفته القائد الأعلى لفيلق القدس في سوريا، أشرف زاهدي على جميع أنشطة المجموعات المسلحة المدعومة من إيران في سوريا، حيث تحتفظ إيران ووكلاؤها بممر بري إلى حزب الله في لبنان ودعم نظام الأسد في سوريا.

"زاهدي" كان القائد الأعلى لفيلق القدس في بلاد الشام. وكان أيضا عضوا غير لبناني في مجلس شورى حزب الله. ويُقال إن زاهدي، الذي قُتل إلى جانب نائبه وخمسة ضباط آخرين، كان معتمدا موظفا في السفارة الإيرانية في دمشق. وكذلك كان الحال بالنسبة لراضي موسوي، الرجل الثاني السابق في قيادة فيلق القدس في لبنان وسوريا، والذي اغتيل في عملية إسرائيلية في أواخر العام الماضي، وكان يحمل رتبة دبلوماسية مستشارًا ثانيًا. وبينما تشير إسرائيل إلى تغيير في قواعد اللعبة، تصر إيران على افتراضاتها السابقة.

ومقتلُ شخصية قيادية بارزة، مثل زاهدي، ليس مجرد هجوم مباشر على إيران، هو أيضا هجوم على مكون أساسي في النسيج الذي يربط بين حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وذلك تماشيًا مع نمط الاغتيالات التي استهدفت قيادة فيلق القدس وسيطرته في المنطقة.

القصف الإسرائيلي لما تصفه إيران بمقرها الدبلوماسي في دمشق، والذي أسفر عن مقتل محمد رضا زاهدي، القائد الأعلى للحرس الثوري في بلاد الشام، هو تصعيد كبير أربك إيران، ويبدو، حسب مراقبين، أن الهدف الأكبر هو إثارة رد فعل من حزب الله وإيران في وقت تسعى فيه طهران لإجراء محادثات مباشرة مع دول الخليج والتعامل غير المباشر مع الولايات المتحدة.

وربما الهجوم الإسرائيلي الأخير هو أيضا محاولة واضحة للضغط على علي خامنئي لاتخاذ إجراءات. ويرفض المرشد الأعلى الإيراني حتى الآن الرد على سلسلة عمليات القتل البارزة في سوريا. والتقدير الإيراني أنه إذا أدى مقتل زاهدي إلى رد فعل إيراني متسرع -خاصة إذا كان مباشرا وعلنيا- فقد يفتح ذلك الطريق أمام توسع إقليمي للحرب على غزة. والظاهر أن طهران تجنبت مثل هذا النهج لأنه سيصرف التركيز إليها وشبكة تحالفها الإقليمي المعروفة باسم "محور المقاومة".

وبينما يبدو أن حريقا أوسع نطاقا بعيدا الآن، فإن المنطقة أصبحت بالفعل في منتصف الطريق. فعلى مدى الأسابيع الثمانية الماضية أو نحو ذلك، كان هناك وقف لإطلاق النار بين المحور والولايات المتحدة في العراق وسوريا، وتوصلوا إليه في أعقاب مقتل القوات الأمريكية في الأردن في أواخر يناير. لكن الهدنة هشة.

وليس لإيران والولايات المتحدة أي مصلحة في الدخول في مواجهة مباشرة. بل على العكس من ذلك، وضع الجانبان خلافاتهما جانباً في الأشهر الماضية بشأن حملة القمع الدموية التي شنتها إيران على الاحتجاجات ومبيعات الأسلحة لروسيا، وتحدثا سرا. وأوضحت مصادر دبلوماسية أن تلك المحادثات مستمرة وتجرى عبر قنوات متعددة، بخلاف الاجتماعات في عمان. وثبت أن الرغبة في وقف التصعيد حقيقية.

* توسيع حدود الصراع:

لكن سياسة الصبر الإستراتيجي التي تعتمدها إيران في التعامل مع حرب الظل الإسرائيلية هي إستراتيجية معقولة المعنى طويلة المدى. لكن لا معنى له في ظل الوضع المتدهور باستمرار، حيث يعتبره المعارضون في بعض الأحيان افتقارًا إلى العزيمة. فالكيان يواصل دفع خصومه إلى تقليص حجمهم وحضورهم، وهذا يعاكس التقدم الذي أحرزته إيران على مدى عقود.

ويعتبر بعض المراقبين في إيران هجوم أمس على القنصلية الإيرانية في دمشق بمثابة إعلان حرب من قبل إسرائيل على إيران، وهو يمثل تحولاً عن قواعد الاشتباك السابقة، إذ ضربت إسرائيل مباشرة الأراضي الإيرانية ممثلة بقنصليتها في سوريا، بدلا من استهداف ضباط الحرس الثوري الإيراني في المواقع السورية، كما في حالات سابقة. 

يبدو أن قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل آخذة في التغير. في مراحل سابقة، امتنعت إسرائيل عن استهداف ضباط الحرس الثوري الإيراني، وكانت التركيز على الوكلاء وشحنات الأسلحة. ولكن منذ الحرب على غزة، كان هناك بالفعل تحول لاستهداف كبار الضباط.

ويُنظر أيضا إلى الهجوم على القنصلية وقتل مسؤولين بارزين على أنه رسالة إلى إيران ووكلائها: قدرة إسرائيل واستعدادها لتصعيد ردها على وجود القوات الإيرانية في سوريا.

وتواجه إيران قرارا حاسما في الرد. فالفشل في الرد يمكن أن يقلل من مكانتها وثقلها بين ما يسمى "محور المقاومة"، ويعرض قواتها وقادتها لمزيد من الهجمات. ومع ذلك، فإن أي رد فعل يهدد بتوسيع الصراع.

وقد تبرر إيران جزئياً عدم الرد على الهجمات السابقة بحقيقة أن الأهداف كانت "سورية" ولم يكن لدى دمشق أي نية للرد. والآن لم يعد التبرير هذا مُجدياً، فقد ضُرب هدف إيراني خالص. ومن أجل الحفاظ على مصداقيتها، تشعر إيران بالحاجة إلى رد مباشر. ولكن كيف وأين سيكون، هذا هو السؤال الرئيسي. 

تراهن إسرائيل أساسا على أن إيران وحزب الله مترددان عن خوض حرب أكبر، وأن حساباتهما لن تتغير بغض النظر عن عدد الدرجات التي تتسلقها إسرائيل على سلم التصعيد. وهو ما كان صحيحا حتى الآن، ولكن قد لا يكون كذلك دائما. وتعمل إسرائيل على توسيع حدود المنطقة الرمادية التي تقاتل فيها إيران وإسرائيل بعضهما بعضا.  

* خلاصة القول:

قد تدفع حملة الاغتيالات هذه إيران إلى تنفيذ هجوم أكثر جرأة على إسرائيل أو ممثليها في الخارج، إلا أن كثيرا من المراقبين يميلون إلى استبعاد ضربة مباشرة كبيرة من إيران نفسها، وهذا لأنها لا تريد هجوما إسرائيليا انتقاميا مباشرا على أراضيها.

ومن المتوقع أن تستمر وربما تتكثف الهجمات على إسرائيل من العراق و/أو اليمن أو مجموعات موالية لإيران في أماكن أخرى، ومع ذلك، تشعر طهران بالقلق من المواجهة المباشرة مع إسرائيل (التي قد تجذب الولايات المتحدة)، ولا يبدو أن لديها الرغبة في خوض حرب إقليمية واسعة النطاق.

لكن هذا يشكل خطرًا كبيرًا بالنسبة لإيران، وهو أن إسرائيل سيكون لديها الوقت والمساحة لتفكيك جبهات ما يسمى "محور المقاومة" الواحدة تلو الأخرى (ربما بدعم مباشر وحتى مشاركة الإدارة الأمريكية القادمة).

وتفكيك واحدة أو أكثر من جبهات ما يسمى "محور المقاومة" من شأنه أن يقوض القدرات الهجومية والدفاعية الإيرانية في المنطقة ويمكن أن يغير حساباتها الأمنية الإقليمية.

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.