المواجهة من الظل إلى العلن

 
لا تريد أمريكا توسيع نطاق المعركة خارج غزة، وهي لم تلملم شتاتها بعدُ مما سبَبه لها طوفان الأقصى من إرباك، واضطراب في توجهاتها الإستراتيجية.
 
وبدت واشنطن قلقة جدا، بعد الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق، وشعرت بإن إسرائيل قادتها إلى الوضع الذي كانت تحاول تجنبه.
 
فمن جهة، لا تريد أمريكا التورط في حرب مع إيران، ومن جهة أخرى، تلقى الأميركيون إشارات واضحة تجعلهم يخشون من أن يفسر عدم التعبئة والاصطفاف مع إسرائيل في الهجوم الإيراني، سلبا، أيضا، من حلفائها في المنطقة، مثل الأردن والسعودية والإمارات، ولهذا استعدت وحشدت معها هذه الدول العربية في الدفاع الجوي عن الكيان المحتل.
 
رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، مسكون بعقدة إيران وهاجس "العدو الأول"، ويدفع باستمرار نحو كسر شوكة إيران في مناطق نفوذها. ويصطدم دائما مع الإدارات الأمريكية في المسألة الإيرانية، يستعجل الضربة ويحرض عليها.
 
وزاد تحمسه للعمليات ضد أهداف إيرانية، ومن الوزن الثقيل، وكثف الهجمات والضغط، وخاصة في الحلقة الأضعف بالنسبة لإيران، وهي سوريا، بعد عملية طوفان الأقصى، إذ حشرته في زاوية ضيقة، وقلبت عليه الوضع، يريد الخروج من كارثة 07 أكتوبر، ويطارده تحدي "استعادة الردع"، وترميم حالة الانقسام الداخلي الهائل في المجتمع الإسرائيلي، بما لم يسبق لها مثيلا في تاريخ الكيان، والفجوة تتسع، والتصدع يتمدد، وإعادة بعث المظلومية وتقمص ثوب الضحية لكسب غطاء دولي جديد.
 
إيران لها طريقتها الخاصة في إدارة المعركة، حذرة في التعامل مع شبكاتها الممتدة، وفي حروب الوكالة، تتقي بها الضربات وتخوض بها معارك الظل وتوازن بها الردع، لا تميل للتصعيد، وعقلها مشدود إلى استعادة الهيبة وتوازن الرعب والردع وإعادة فرض قواعد الاشتباك.
 
وكل هذا حفاظا على أمنها القومي، وقد نجحت في ذلك بعد هذا الهجوم الأخير أمس، فكان أقرب إلى العملية الجراحية الدقيقة، تنتقم ولا تدفع نحو جولة تصعيد أخرى. ولو تسبب هجومها على الكيان في أضرار جسيمة، لكنا في عالم مختلف اليوم، وهو ما لا تريده إيران ولا أمريكا. ولهذا، ربما، مالت إلى تقليص حجم هجومها، واستهداف مناطق بعيدة عن المركز، لأن هدفها كان سياسيا وليس عسكريا.
 
إيران لا تريد الحرب، ولا تريد إخراج المواجهة مع إسرائيل من الظل. وحتى الآن، يظل القادة العسكريون الإيرانيون، رغم حرصهم على استعراض قوتهم، حذرين من بدء معركة مع إسرائيل، ولهذا منحت إيران إسرائيل وشركاءها متسعا من الوقت للاستعداد للهجوم. كما أجرت محادثات عبر القنوات السسرية لتوضيح أنها لا تسعى إلى إشعال حرب. 
 
ولهذا، لا تنازل، إيرانيا، عن إدارتها الهادئة والعقلانية للصراع، ولا عدول عن حرب الاستنزاف، تبتعد عن المواجهة المباشرة وترفض أن تُستدرج إليها، وتحاول جعل الكيان الإسرائيلي عبئا على أمريكا ومصالحها، تراعي الخطوط الحمراء الأمريكية ولا تستعجل الحسم، وتحرص على ما حققته لها التهدئة في المنطقة من مكاسب اقتصادية ودبلوماسية، وتتحاشى الاشتباك مع أمريكا، وتعزز تحالفها مع روسيا.
 
وأما إستراتيجية المقاومة، فتميل إلى إشراك ما أمكن من الجبهات في المعركة، وكان تفكيرها وتقديرها أن لا تخوض غزة حربا لوحدها، وكل تحرك مُضاد للكيان لما يسمى "محور المقاومة"، تراه مكسبا إضافيا في وضعها التفاوضي والميداني، لكن من دون أي تفرط في استقلال قرارها وإرادتها. تدير الصراع بقدر من المرونة، ترى في المشاغلة الإيرانية للاحتلال تخفيفا عنها وتنفيسا، وتعزيزا لموقفها.

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.