قراءة في الهجوم الإيراني

 

كان الهجوم الإيراني على الكيان الإسرائيلي مُخطَطا، ومعلناً، ومرئياً: إسرائيل وحلفاؤها تمكنوا من الاستعداد لصده، ولا شك أن الإيرانيين كانوا على علم بذلك. وتمكنت طهران من "حفظ ماء وجهها". وإن كان الهجوم أوسع مما كان متوقعا في البداية.

وظهر أن عملية إيران انتقامية محسوبة، تريد طهران إظهار أنها ستقف بحزم وتنتقم في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية، دون المخاطرة بتصعيد كبير في الصراع الذي قد يؤدي إلى تفاقم الوضع وجر أمريكا إلى الحرب، وهو ما لا تريده إيران قطعا.

هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران إسرائيل علنا ومباشرة، "حرب الظل" لم تعد حرب ظل. من الصعب التنبَؤ بمآلات التصعيد، لكن ثمة شيء واضح: تغيرت، أمس، القواعد. وهذه نتيجة مباشرة لعملية 7 أكتوبر (طرفان الأقصى)، أو استمرار لها على نطاق أوسع. عادت شبح الحروب الكبيرة. والأحداث تتسارع، والتاريخ يقفز.

الإيرانيون، الذين يمتلكون قدرات محدودة، شنوا عملية نفسية. ربطوا إسرائيل بعقدة الردَ لأكثر من أسبوع، ثم أطلقوا النار. التصعيد الحالي لم يرتبط رسميا بالحرب على غزة من الطرفين.

اعتُرض وابلهم بالكامل تقريبًا. وكان هذا بسبب مساعدة حلفاء إسرائيل. لكن هذه المساعدة جاءت بثمن. وقد أخبر هؤلاء الحلفاء، بقيادة الولايات المتحدة، إسرائيل أن هذه ليست "حرباً" وأن إسرائيل يجب أن لا ترد.

لماذا هذا مهم؟

لأنه للمرة الأولى تقريبا، تلقت عنجهية إسرائيل ردا كبيرا، وحُرمت من خيار التصعيد أكثر. سيكون من المفاجئ أن تمتنع إسرائيل عن الرد على الهجوم الإيراني، على الرغم من الضغوط الأمريكية عليها.

وهذا لأن إسرائيل كيان قام على القلق الوجودي والردع بالدم. بعد عملية 7 أكتوبر، وهجوم 14 أبريل، لن يكون من السهل إقناع الإسرائيليين بأنهم آمنون، ولذلك فإن الهجوم الإسرائيلي على إيران ردا على الرد أمرٌ متوقع.

ولكن، أيَا ما كان، هناك قواعد جديدة للاشتباك تُفرض على الكيان المحتل. والثقة المفرطة في معرفة إيران، وأن إيران لن تردَ مباشرة، وأن طهران تم ردعها بفعَالية، أدى كل هذا وغيره إلى خطأ إستراتيجي بتعقب القنصلية الإيرانية، والتصعيد أمس ليلا..

* "التكتيك" والإستراتيجية:

حجم الهجوم الإيراني، وتنوع المواقع التي استهدفها، والأسلحة التي استُعملت، أجبر إسرائيل على الكشف عن غالبية التقنيات المضادة للصواريخ التي تمتلكها هي والولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة.

لم يستعمل الإيرانيون أي أسلحة لم تكن إسرائيل تعلم أنها تمتلكها، بل استخدمت كثيرا منها فقط. لكن من المرجح أن الإيرانيين أصبح لديهم الآن خريطة كاملة تقريباً لما يبدو عليه نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، فضلاً عن الأماكن التي توجد بها قواعد ومنشآت أمريكية في الأردن والخليج. كما أنها تعرف كم من الوقت يستغرق إعدادهم، وكيف يستجيب المجتمع الإسرائيلي…إلخ.

هذه تكلفة استراتيجيه باهظة بالنسبة لإسرائيل، في الوقت الذي تتعرض فيه الأنظمة العربية لضغوط من شعوبها، وخاصة النظام الأردني، لأنها لم تفعل شيئًا لحماية الفلسطينيين في غزة ثم بذلت قصارى جهدها لحماية إسرائيل.

وسيتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل إعادة تصميم نموذج دفاعي جديد مختلف عن نموذجهما الحالي الذي تم اختراقه. وبالتالي، فإن نجاحها في وقف هذا الهجوم المخطط له لا يزال مكلفًا للغاية.

وأيضا، مع التهديد بحرب إقليمية لا ترغب الولايات المتحدة ولا الأنظمة العربية في حصولها، فمن المرجح أن تتزايد ضغوطها على إسرائيل للتراجع، مما يجعل وقف إطلاق النار أكثر جدوى.

ومن يفترض أن هذا الهجوم مجرد عرض مسرحي، يفتقد سياق كيفية تقييم الجيوش للإستراتيجية مقابل التكتيكات. الجانب الاستعراضي قد يكون مهما، لكن جمع المعلومات الاستخبارية عن موقف "العدو" أكثر أهمية بكثير، خاصة إذا كان الطرفان يعتقدان أنهما في حرب استنزاف طويلة.

نتنياهو وحكومة إسرائيل يفضلان حربا سريعة وساخنة وعاجلة يمكنهم فيها جر أمريكا إلى الصراع. ويفضل الإيرانيون حرب استنزاف أطول تحرم إسرائيل من قدرات الردع وتجعل من تحالفها مع الأنظمة العربية والولايات المتحدة أمرًا مكلفًا وعبئًا لا يمكن احتماله طويلًا.

* هل تستفيد المقاومة من الرد الإيراني؟

- إيران لا تملك خيارا في الردَ إلا أن يكون مختلفا عن سابقه، قوة وفعالية وحجما وتنسيقا.

- الأهم من هذه الضربة وحجمها هو البيئة الإقليمية الجديدة المتشكلة بسبب معركة طوفان الأقصى، هذه البيئة تمنح المقاومة مزيداً من الفرص الإيجابية، وهذا معناه أن التوتر الإقليمي نقطة قوة مركزية بالنسبة للمقاومة، وأن طول أمد معركة الطوفان أصبح لصالح المقاومة وليس ضدها.

تحسين الوضع التفاوضي للمقاومة، ومنح المقاومة ميزة ترجيحية ميدانيا، عبر تخفيف الضغط عنها.

زيادة روح التحدي لدى حركات وقوى وجماهير المقاومة، والدفع باتجاه مزيد من التصعيد الشعبي.

بعد 7 أكتوبر، يبدو الوضع القديم غير قابل للاستمرار بالنسبة لإسرائيل. ولن تصبح الحملات/الحروب الإسرائيلية الرامية إلى تعطيل قوة الردع أسهل بمرور الوقت، بل على العكس من ذلك.

وربما يكون هذا أحد الأسباب (من بين أسباب أخرى) وراء استيعاب إيران، في الغالب، للهجمات الإسرائيلية وعدم رغبتها في مواجهتها مباشرة: لا يزال بإمكان إسرائيل إلحاق أضرار جسيمة بها، لكنها تشعر بمرور الوقت بالضعف العسكري.

وسوف تستمر الفجوة في التقلص. ولهذا، تحاول إسرائيل منذ فترة طويلة جر الولايات المتحدة إلى حربها مع إيران.

* خلاصة الضربات:

 - حجم الضربة الإيرانية كبير ومتوقع وتم احتواؤه، لكن الأهم أن إيران جادة في الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي، والحفاظ على قوة ردعها.

 - احتواء الضربة تم عبر قوات إسرائيلية وأمريكية وبريطانية، ما يعكس ضعف القوة العسكرية الإسرائيلية دفاعيا، وهذا لجغرافيتها الرخوة وافتقادها العمق الإستراتيجي.

 - إسرائيل الآن عاجزة عن أي ردع يوازن ما قامت به إيران، ما يحقق لأول مرة في التاريخ معادلة ردع لصالح طهران.

- حجم الهجوم الجوي هائل، والمشروع الصاروخي الإيراني وإستراتيجيات الحرب الهجينة لطهران، كل هذا أظهر فاعليَته، وجُرَب في ساحتي حرب حقيقة في أوكرانيا والآن إسرائيل. بل ربما يعتبر، اليوم، المشروع الجو - فضائي الإيراني أهم من المشروع النووي.

 - تكلفة أي حرب على إيران أصبحت كارثية ولا يمكن تحملها، وبالتالي التقديرات الأمريكية في لجم إسرائيل وحلفائها في المنطقة عن توجيه ضربة لإيران، منطقية وواقعة، حيث أصبحت طهران قادرة على توسيع رقعة الحرب من حدودها لتشمل الخليج والمحيط الهندي وصولًا إلى حدود مصر والبحر المتوسط.

- تأكيد خيار الاندماج في منظومة دفاع جوي واحدة بين الخليج والأردن وإسرائيل.

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.