"حراك" الجزائر في ذكراه الرابعة...عرفنا الطريق وسنُلزمه
- التفاصيل
- بواسطة الكاتب: خالد حسن
- الزيارات: 73
(22 فبراير 2019 _ 22 فبراير 2024)
تجربة الحراك الشعبي السلمي هي أكثر المغامرات زخما وتنوعا وتدفقا في مسيرة التغيير السياسية، كان موقف اللحظة يطاردنا، كنا نصنع موقفنا ومصيرنا وحريتنا بأيدينا، تجاوزنا لحظات عصيبة ما ظننا أنها تمر ولكنها مرت، عشنا فيها تجربة صناعة التغيير، نهضنا وتعثرنا، عرفنا فيها ما لا نريده وتضاربنا في إدراك ما نريده بما يتحمله المُتاح المُمكن.
فرق كبير بين أن تقرأ عن التغيير والثورات وأن تكون في قلبها وتعيش ساعاتها ولحظاتها واندفاعها وذروتها وانحسارها وتعثرها، صعودها وهبوطها، أن تحافظ على اتزانك واعتدالك هذا التحدي الأكبر، أن يكون الرأي متداولا ويناقش باستمرار وبحرية، هذه تجربة ثرية متدفقة.
تعلمنا في الحراك ما لم نتعلمه في غيره، وتعرفنا إلى أحرار من طينة الكبار، ما افترقنا من يوم التقينا في ساحات الحراك وميادينه في أشهره الأولى.
قلما تجد أُناسا لا هم لهم إلى خدمة قضية التغيير وتحمل أعبائه، وهم نماذج لندرة من الرجال الذين هم أكبر مما يتيحه زمانهم ومكانهم. يمكن الاعتماد عليهم في أي بناء لقوة سياسية ضاغطة، صقلوا تجربة التغيير في الميدان، راكموا الوعي وتحملوا الحصار ولم يجبنوا عندما أُخيفت السُّبُل، وكثُر الإرجاف، وساءت الظنون، وتعلموا من أخطاء اللحظة ما لا يمكن تعلمه من غير التحام في الساحات والميادين.
كانت قضيتنا الكبرى في الحراك، ولم تزل: مسألة الحرية وتحرير الإرادة الشعبية، أعطيناها اهتمامنا وأوقاتنا وتفكيرنا وأعز ما نملك، بحثنا عنها أملا وعملا، فلن تكن عندنا تفلسفا ولا ترفا فكريا بل كانت قضية مُلحة ومشروعا لبلد ووطن وأمة، فعملنا لها وبحثنا عنها وخُضنا معركتها بسلمية واتزان، وهي معركة الحياة كلها.
الحراك ساحة أحداث وتجارب متحركة على الدوام، فما هو بجوّ تفكير بارد، ولا ميدان ترف فكري وتأمل ذهني، إنما تسبق الحركة فيه الفكرة أحيانا، وتُهذَب الفكرة وقت تلاحمها مع الميدان. والفكرة إن لم تُهذب وتُروَض يصير صاحبها مُرتهنا لها، والإنسان أهم من الفكرة والتجربة، وقدرته كبيرة على التأثير فيهما.
يقولون: الثورة مُعلَم قاس، وهذا صحيح، تتعلم فيها ما لا تجده في غيرها. والتغيير قادم لا محالة وسيتحقق على أيدي الشجعان المصلحين، من ذوي الرأي والاتزان والحصافة والتلاحم، لا على أيدي المنكفئين السلبيين بليدي الحسَ.
فالمُصلح الناهض -إن صدق نفسه وقضيته- جزء من مجتمع التغيير المُمكن. واللهيب الذي في صدره يُجبره على تبني موقف بشأن مصير بلده وتحرير شعبه، وبهذا يغدو الثائر في خضم المنعطفات الكبرى متحركا في ساحة وغى وحقل ألغام، ولن يخرج من أي تجربة تغييرية إلا وقد جُرح وحوصر ونالت منه أقلام ورماح، ولا ضير أن يُنال من المُصلح، فهذه سنة السائرين في طريق الحرية الطويل الوعر، وقد سبقنا إليه عظماء ومصلحون عبَدوا لنا الطريق، طريق طلب الرَشد السياسي.
يريدون إماتة الكلام والفعل بعد حصار الحراك وترهيبه، فالدعاية الإعلامية الضخمة للثورة المضادة مسخت الحقيقة، وحوّلتَها إلى وجهة نظر، فغرَقت السوق بالأضاليل، وانصرف الناس واضعين أصابعهم في آذانهم، غير عابئين بالكلام، لكن كل هذا إلى حين، لأن سياسة الغلق تدمر حياة الناس وتهبط بكرامتهم وتسمم الأجواء وتشعل الغضب في الصدور.
ولسنا أسرى تجربة بعينها، والحراك حالة يقظة ونهوض، والتحرير طريقه صعب وعرٌ متعرج، والتغيير عملية تراكمية معقدة، سلكنا سبيله بعقل مرن مفتوح، لسنا أول السالكين ولن نكون الآخرين، ومن يأتي بعدنا قد يرى أبعد مما رأينا، لم نتغيب عن اللحظة التاريخية وإن فاتتنا، لكن لم يفوتنا شرف التلاحم مع الشعب الثائر والمواكب الهادرة، وعقلنا السياسي اليوم أنضج وأوعى.
ولن نستسلم للانحطاط والظلمات، قد كان الدهر ساكنا في بلادنا، فلا أحداث ولا تغيير ولا أمل ولا حلم. أما اليوم فإن كل يوم يحمل صراعا وقراعا ولغطا وشغبا وتضحية وخيانة، وكان زمننا قبلُ ساكنا خاملا ميت الروح، واليوم دنيا الناس تغيرت..
.