أرادت إسرائيل أن يكون ردها الانتقامي لا يُنسى، حتى لا يحاول الفلسطينيون مرة أخرى شن هجوم مثل ذلك الذي حدث في السابع من أكتوبر، ولكن ما حدث كان عكس مقصودها:
فكلما واصل الإسرائيليون قصف سكان غزة، أصبح الأمر أكثر إحراجا لتلك المؤسسات الأمريكية الأكاديمية التي تعارض سحب الاستثمارات من إسرائيل. والنتيجة الثانية هي أنه كلما زاد الدمار الذي يلحقه الإسرائيليون بغزة، زادت شعبية المقاومة.
ويؤكد أنصار إسرائيل أن عديدا من الدول العربية سوف ترحب بهزيمة حماس. ولكن الزعماء العرب يدركون أيضا أن غضب شعوبهم إزاء الوحشية الإسرائيلية في غزة سوف يخلف تأثيراً وانفجارا في المستقبل، وهو ما يحدَ من هامش مناورتهم تجاه إسرائيل.
وإذا كان ثمة ما ُيقال عن علاقة أمريكا الخاصة مع إسرائيل، فهو أن الحفاظ عليها كان من قبل النخب السياسية والعسكرية الأمريكية، التي دافعت عنها باعتبارها مفيدة للمصالح الأمريكية.
ما لا يستطيع منتقدو الطلاب المؤيدين لإسرائيل تحمله هو أن ما يشهدونه اليوم يرونه خيانة من قِبَل النخب الأصغر سنا في الجامعات، أولئك الذين كان ينبغي أن يكونوا في الحقيبة.
ولكن يبدو أن يقينيات الماضي المتعجرفة أصبحت موضع شك من قبَل صناع القرار والمسؤولين وأصحاب النفوذ في الغد، بحيث ما عاد التعاطف مع إسرائيل، الذي كان في متناول اليد في الماضي، مضمونا. وقد أدى ذلك إلى اتساع الفجوة بين الأجيال، إذ يعتبر الطلاب أن آراء آبائهم بشأن إسرائيل لم تعد لها وزن كبير بعد الصدمة المروعة للإبادة الجماعية في غزة.
ولا تزال النخب في الولايات المتحدة منغلقة كثيرا على علاقتها بإسرائيل، حيث ترفض النظر في سحب الاستثمارات، وتقاوم استعمال مصطلح "الإبادة الجماعية" لوصف ما يحدث، وتشعر بالإحباط بسبب عدم رغبة الطلاب للخضوع للتهديدات الموجهة ضدهم، المستمرة منذ أسابيع.
لكن ما يحدث في غزة واضح جدا بحيث لا يمكن التستر عليه ولا أخفاؤه، وجميع التحركات الرامية إلى تعزيز الخط الرسمي تجاه إسرائيل باءت بالفشل.
وروح التمرد المثيرة للإعجاب لدى الطلاب قد تؤدي إلى تغيير كبير وقد يكون هذا مبالغا فيه، ولكنها تمثل حقبة جديدة في الكيفية التي ينظر بها الأمريكيون إلى الفلسطينيين، بل وكيف ينظر الطلاب إلى أنفسهم وإلى بلدهم في العالم.
وإطلاق يد الشرطة على الحركة الاحتجاجية الطلابية أثار غضب الشارع الأمريكي، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب رسميا، لكنها تتصرف على هذا النحو، بل وكأنها حرب وجودية.
إسرائيل اختارت، بعد عملية 07 أكتوبر، أن تجعل الأمر كما لو كان وجودها مُهددا، وبذلك عرضت نفسها لخطر داخلي أكبر بكثير. والآن أصيبت الولايات المتحدة بهذا الفيروس الإسرائيلي وتتصرف كما لو أن وجودها يعتمد على استمرار الإبادة الجماعية.
ومثل إسرائيل، فإن عقلية الحرب هذه قد تنشر الذعر داخل المجتمع الأمريكي. ويتخوف مراقبون من أن المزيد من الاضطرابات المدنية في أمريكا والقمع العنيف قادم أيضا.