فمن جهة، تتعامل مع جيل طلاب تقدميين يريدون إسماع صوتهم بشأن القضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، تقف مرتبكة أمام المتبرعين اليهود الكبار في السن، المعروفين بمواقفهم الليبرالية حول القضايا الأمريكية الداخلية، ولكنهم يُخلصون لإسرائيل التي عرفوها في صباهم ولا يحتملون انتقادها، ويخشون سماع بعض الشعارات في المظاهرات، ولا يترددون في استعمال المال للضغط على المؤسسات لتوقف الاحتجاجات ضد الحرب.
إضافة إلى ذلك، وقوف مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، واستمرار استدعاء رؤساء الجامعات إلى جلسات استماع علنية ضمن من الحرب الثقافية الأوسع التي تحدث في أمريكا.
في الواقع، كانت قصص الاحتجاجات والحركات التمرد الطلابية الأمريكية البطولية مصدر إلهام للناس في جميع أنحاء العالم. اعتادت الجامعات الأمريكية أن تكون قلاعا للتمرد من شأنها أن ترسل موجات من الخوف والارتباك تغمر أروقة السلطة في واشنطن.
في بداية الستينيات كانت الجامعات بؤرة للاحتجاجات العاصفة وأحياناً العنيفة ضد الحرب في فيتنام. المؤرخ المعروف توماس سيغرو، خريج جامعة كولومبيا، وصف الحرم الجامعي في بداية الثمانينيات، بأنها "ساحة سياسية تضج بالحياة"، حيث الطلاب اليساريون تظاهروا ضد دعم الولايات المتحدة للدكتاتوريات في أمريكا الجنوبية وضد نظام "الأبرتهايد" في جنوب إفريقيا.
الجيل الأمريكي الجديد، حتى من اليهود، ليس متحمسا للكيان الإسرائيلي، ومناهض للغطرسة الصهيونية والحروب الإسرائيلية، الآباء والأجداد تعاطفوا مع إسرائيل منذ بداية تأسيسها، ورأوا فيها "معجزة"، لكن الجيل الثاني أقل ارتباطا بالكيان.
والجيل الثالث متمرد بطبعه، واكب التحولات الرهيبة في عالم التقنية والاتصالات، مصدوم من حجم الغطرسة الإسرائيلية، وهو من يقود حالة الرفض داخل القاعدة الديمقراطية الواسعة، وفي قلب تغير المزاج الأمريكي العام ضد الكيان، لكن هذا لا يعني تغيير السياسات الأمريكية التي تظل منحازة للكيان، لكن قد تكون بصمته وتأثيره في السياسات في فترة قادمة، قد لا تكون قريبة، لكنها آتية.
قسم كبير من جيل كامل من الأمريكيين، بما في ذلك النخبة القادمة، سوف ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها دولة إبادة جماعية وفصل عنصري تهدد الديمقراطية الأمريكية.
ما يحصل في أمريكا هذه الأيام من تمرد الطلبة فوق المتوقع، لم يكن يتخيله أحد، وله ما بعده. والعنف ضد طلبة أمريكا على امتداد جامعاتها سيزيد من حدة الحركة الاحتجاجية وتمتد ويتسع نطاقها، لتشتد، بهذا، الحرب الثقافية في أمريكا مع تنامي الحركة الاحتجاجية الطلابية رفضا للغطرسة الإسرائيلية.
لقد وُلدت أجواء التمرد دعما لغزة في الجامعات الأمريكية. وتشعر النخبة الحاكمة الأمريكية بالرعب من التمرد الطلابي في الجامعات الأمريكية. لأنه قد يسبب خسائر مالية للشركات التي تتعامل مع الكيان الصهيوني وتمول حملاتهم الانتخابية. ولهذا، أفضل طريقة لمحاربة الطلاب هي وصفهم بأنهم معادون للسامية!! لكن مجموعات من الطلاب اليهود تشارك بنشاط في المظاهرات، ما يهز الادعاء السائد، أن وجودها تعبير عن اللاسامية.
وما نراه اليوم إنجاز لا يمكن التنكر له: لقد أصبح التضامن مع فلسطين الآن هو التيار السائد في أمريكا، يجد الأمريكيون، في أغلبهم، دعم البيت الأبيض للإبادة الجماعية سقوطا أخلاقيا وإنسانيا مُدويَا.
طوفان الأقصى أحدث تصدعات عالمية، وتحدى السرديات الصهيونية، وأعاد بعث القضية الفلسطينية، وصنع حالة من التمرد على الإرادة الصهيو صليبية المتغلبة.