"بايدن" في مأزق إستراتيجي

 

يبدو أن الإستراتيجية الأمريكية المُتصوَرة تجاه غزة هي التفاوض على اتفاق سلام يدفع الاحتلال إلى الموافقة على وقف دائم لإطلاق النار، ويفتح الطريق إلى دولة فلسطينية، مقابل عودة جميع الأسرى الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس وتطبيع العلاقات مع السعودية. ولكن ليس هناك أية فرصة على الإطلاق لحدوث ذلك.

لا يريد الإسرائيليون أو لا يؤمنون بحل الدولتين، ولا يقتصر هذا على موقف نتنياهو فحسب، بل إنها وجهة نظر مشتركة على نطاق واسع في المجتمع الإسرائيلي. لذلك، إذا كان المسؤولون الأمريكيون يحسبون أن نتنياهو إذا أُزيح فإن هذا سيفتح الطريق أمام قبول إسرائيل لهذا النوع من الصفقة، فإنهم مخطئون كثيرا. باختصار، ليس لدى إستراتيجية إدارة بايدن لإنهاء الحرب في غزة أية فرصة للنجاح، فهي منفصلة عن الواقع.

وفكرة أن الولايات المتحدة لا تتمتع بنفوذ كبير على إسرائيل بشأن وقف الحرب على غزة، هي فكرة مثيرة للسخرية. فعلى الرغم مما يدعيه كثيرون، فإن الولايات المتحدة لديها نفوذ كبير على إسرائيل، لكنها لا تستعمله. إنها تمول حرب إسرائيل وتوفر الغطاء الدبلوماسي لها، لكن الأهم من ذلك أنها المورد الرئيسي للأسلحة والذخيرة لإسرائيل.

لم يكن بوسع إسرائيل أن تشن الحرب بالطريقة التي قامت بها إذا لم تكن الولايات المتحدة قد زودته طيلة الحرب بالأسلحة والذخيرة. وربما أمكن القول الآن، إن هذه الحرب الحارقة على غزة ليست حربا بالسلاح والغطاء الأمريكي، فحسب، بل تعدت ذلك إلى كونها حربا أمريكية تخوضها واشنطن بالوكالة عن الاحتلال.

ويكشف هذا حجم تغلغل الصهيونية إلى أعماق السياسة الأمريكية، وأصبحت في قبضتها، وتمكنت من إخضاعها، وهو ما يفسر غضب عدد من المشرًعين الأمريكيين في رسالة جماعية إلى محكمة الجنايات الدولية: إذا استهدفتم إسرائيل فسوف نستهدفكم، وكذا جرأة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، قبل أيام مخاطبا الإدارة الأمريكية قائلا بلغة الآمر: "أوقفوا هؤلاء الغوغائيين فورا"، يقصد الطلبة المحتجين، لتقتحم الشرطة "المأمورة" حرم الجامعات وسحلت الطلاب المعتصمين.

وفي فرنسا، تسارع وسائل الإعلام الفرنسية للاتصال بالسفارة الإسرائيلية في باريس طالبة منها تحديد قائمة أسماء "فرنسية" بمن ينبغي استضافتهم للحديث عن الحرب في غزة. أما ألمانيا الليبرالية، فقد جعلت من انتقاد إسرائيل "جريمة مُحرّضة سياسيا".

والخطوط الحمراء المُطبقة على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتحول عادة إلى "اللون الوردي". إذ يدرك نتنياهو جيداً أن كل الأدوات التي يملكها بايدن ذات حدَين. إذ إن تقييد إمدادات الأسلحة سيكون صدمة لإسرائيل، ولكنه يكلف بايدن مخاطرة سياسية كبيرة في عام الانتخابات الأمريكية، فمعضلة النفوذ أنه مُكبَل بسبب قيود محلية وقبضة الصهيونية على مراكز القرار.

ولهذا، يبدو الرئيس بايدن في مأزق إستراتيجي، وصفقة تبادل الأسرى مقابل وقف إطلاق النار هي السبيل الوحيد للخروج من ورطته الكبرى.

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.