الزعيم القادم لإيران؟
- التفاصيل
- بواسطة المحرر
- الزيارات: 118
في خضم صراع محتدم، منخفض المستوى، مع إسرائيل ومناورات ممتدة في الزمان والمكان مع الولايات المتحدة، تواجه إيران سؤال الاستخلاف.
الوفاة المفاجئة للرئيس إبراهيم رئيسي تهدد بإخلال التوازن الدقيق في طهران. قُتل "رئيسي" مع وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين حكوميين آخرين، عندما تحطمت مروحيتهم أثناء طقس عاصف في منطقة جبلية شمال غرب إيران في 19 مايو.
كان الرئيس "رئيسي" عضوا مهما في المؤسسة، وقد أجبرت وفاته النظام على الخضوع لتغيير سياسي في وقت محفوف بالمخاطر.
الصراع المحتدم بين إيران وإسرائيل، والتنافر مع الولايات المتحدة، وبرنامجها النووي المتقدم، كلها عوامل أبقت إيران على بعد شعرة من الحرب. والآن، وبينما تبحر إيران في تلك المياه الغادرة، يتعين عليها أيضا أن تواجه تحولا سياسيا غير متوقع وإعادة تشكيل الدائرة الداخلية للنظام.
قضى "رئيسي" معظم وقته خارج الساحة السياسية المنقسمة في إيران، وكان الأمر كذلك حتى عام 2017 عندما دخل "رئيسي" المعركة لأول مرة باعتباره المرشح المفضل للمتشددين في الانتخابات الرئاسية في ذلك العام. خسر تلك المنافسة أمام الرئيس المحافظ حسن روحاني، لكنه عاد إلى المنافسة في الدورة الانتخابية لعام 2021، حيث انتصر على مجال غير ملهم من المنافسين المعتمدين من قبل النظام.
رأى كثيرون داخل إيران وخارجها أن تلك الانتخابات بمثابة اختبار لمسار رئيسي السياسي. وقد بدأت الشائعات تنتشر بالفعل بأن المرشد الأعلى ربما يقوم بإعداد رئيسي لمنصب أعلى، وأن الرئاسة كانت تُستعل أرضية اختبار، أو ربما نقطة انطلاق، نحو هذه الترقية.
لكن، وباستثناء علي خامنئي، المرشد الأعلى الحالي لإيران، الذي شغل منصب الرئيس في الثمانينيات، فإن جميع الذين شغلوا منصب الرئيس في النظام الإيراني تراجعت حظوظهم السياسية بعد ترك مناصبهم. بالنسبة لأغلبهم، كان تراثهم إما ملطخًا بسياسات النظام، أو هُمَشوا من قبل خامنئي نفسه. والواقع أن أفضل طريقة لقتل الحياة السياسية في إيران، في العديد من النواحي، هي منصب الرئيس.
ولا يرجح محللون أن يكون الراحل "رئيسي" خليفة المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي. ووفقاً للدستور الإيراني، يتطلب المنصب قدرة سياسية ومؤهلات دينية. وعندما خلف خامنئي الراحل الخميني بعد عقد من الزمان، كان لا بد من تغيير الدستور الإيراني لأن خامنئي لم يكن يتمتع بالمكانة الدينية المطلوبة في التسلسل الهرمي الديني. ولم يكن آية الله مثل الخميني، لذا فقد عُدل الدستور الإيراني لتغليب الكفاءة السياسية على الشرعية الدينية ــ ولو أن حتى هذا لم يكن كافياً لإضفاء الشرعية على ترشيح رئيسي.
إذ لم يكن رئيسي حتى "رجل دين" متوسط الرتبة. ولم يكن لديه نفوذ ديني حقيقي ولا جاذبية سياسية. وعلى هذا النحو، فمن غير المرجح أن تقبله المؤسسة الدينية والسياسية باعتباره المرشد الأعلى.
وفي بلد تسيطر فيه المؤسسات التابعة للمرشد الأعلى والحرس الثوري على معظم السلطة، تفتقر الرئاسة الإيرانية إلى نفوذ مكتب تنفيذي حقيقي. ومع ذلك، فإنه لا يزال وظيفة مهمة.
في السنوات الأخيرة، كان الهدف الرئيسي للنظام هو حرمان أي شخص طموح ومتحفز من منصب الرئاسة. و"رئيسي" يناسب هذا القالب جيدا. فقد كان مزيجه من العقيدة الأيديولوجية والسياسة المتشددة وافتقاره إلى الطموح هو ما جعله مناسبًا للرئاسة ومرشحًا محتملاً لمنصب المرشد الأعلى في المستقبل. وتحسباً لوفاته، بدأ علي خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً التخطيط لخلافته. وكان "رئيسي" له حضور مهم في هذا الجهد من خلال قيادة لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص عينها خامنئي لتحديد المرشحين المناسبين لهذا المنصب.
وإلى جانب "رئيسي"، فإن الشخص الآخر الذي كان يُشاع أنه سيخلف خامنئي، هو الابن الثاني للمرشد الأعلى، مجتبى. وعلى الرغم من أنه يتبنى السياسة الموغوب فيها، ومقرب من الحرس الثوري الإيراني، فإن ترشيح "مجتبى" موضوع مثير للجدل داخل النظام. وعلى عكس رئيسي، الذي شغل مناصب مختلفة في حياته المهنية، ظل مجتبى بعيدًا عن الأنظار، واشتهر بكونه مساعدًا مقربًا لوالده. وقد منح هذا المنصب مجتبى سلطة مؤسسية هائلة داخل مكتب المرشد الأعلى، لكنه أبعده أيضًا عن العناوين الرئيسية.
أصبح "مجتبى"، المطلع السياسي البارع، شخصية هائلة داخل المؤسسة، لكن هذا قد لا يكون كافياً لتأمين القيادة له. فطابع السلالة الحاكمة الذي يحمله ترشيح "مجتبى" بطبيعته يُنظر إليه على أنه لعنة على الجمهورية الإيرانية التي بُنيت على أنقاض نظام ملكي فاقد للمصداقية. ويرى بعض المتابعين للشأن الإيراني أن ذلك يكفي لمنع "مجتبى" من خلافة والده.
وعلى الرغم من أن ذلك يضر بترشيحه، فإن رغبة النظام في الحفاظ على الوضع الراهن قد تتغلب على مثل هذه الحساسيات. غير أن مراقبين آخرين يرون أن خامنئي ليس الخميني، لينين الثورة، فهو مجرد حاكم مقارنة بمكانة الخميني في الثورة والنظام، إلى جانب السياسات الدينية المعقدة في إيران، ربما هذان يفسران أيضا سبب ميل هؤلاء (المراقبين) إلى عدم ترجيح مجتبى خامنئي لخلافة والده. ولا يتمتع خامنئي الأصغر بالمؤهلات الدينية الحقيقية اللازمة لمنصب المرشد الأعلى، كما أنه لم يشغل أي مناصب سياسية عليا، وهو المطلب الدستوري الثاني.
وكونك نجل الزعيم الحالي هو عيب آخر، إذ إن الثورة ضد مفهوم الملكية الوراثية في إيران وخارجها لا يمكنها أن تتحمل مثل هذه الخلافة.
إذن، من سيخلف الزعيم الحالي؟ والحقيقة هي أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين، ولا حتى المؤسسة السياسية في إيران. هناك عملية دستورية لا يمكن أن يحتكرها بسهولة شخص واحد فقط، ولا حتى المرشد الأعلى الحالي.
لكن الوصف الوظيفي واضح: سيكون للمرشد الأعلى القادم لإيران مكانة دينية معتبرة يتسامح معها كبار رجال الدين في قم، وكذلك المؤسسة الدينية داخل الدولة. ويتمتع بخبرة سياسية ولكنه لن تلوثه كثيرا الفضائح الكبرى. ويتمتع بالهالة التي تجعله يحظى باحترام الحرس الثوري القوي، وسوف يتمتع ببعض النسب الثوري الذي يربطه بالخميني، مؤسس الجمهورية الحالية.
وسيكون الزعيم الجديد، أيضا، في قلب ما يسمى "محور المقاومة"، وهو تكتل من الحركات المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة من فلسطين إلى جنوب لبنان وسوريا والعراق واليمن. وسوف يرث بنية تحتية نووية قادرة على صنع قنبلة ذرية. لذلك، ستبحث المؤسسة الإيرانية أيضاً عن بعض الكفاءة في إدارة العلاقات الدولية.
وأياً كان من سيقود بلاد فارس في العصر الحديث (المرشد الأعلى خلفا لخامنئي)، فسوف يصبح واحداً من الشخصيات الرئيسية في السياسة العالمية.