إيران - إسرائيل...اللعب بالنار

 

هناك أربعة أنماط محتملة للمواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، وهي متشابكة. وهذا يجعل التصعيد من نمط إلى آخر سريعا وغير متوقع. ونتيجة لذلك، لا تزال المنطقة تواجه خطر نشوب صراعات شديدة الحدة.

نظرت إسرائيل إلى إيران على أنها سهلت هجوم حماس في 7 أكتوبر، على الرغم من أن طهران لم تشارك في التخطيط للهجوم أو تنفيذه (وفي الواقع يبدو أنها فوجئت مثل أي طرف آخر تقريبًا).

وقد أدت الحرب الإسرائيلية اللاحقة على غزة إلى تنشيط "محور المقاومة" الإيراني شيئاً فشيئاً من اليمن إلى لبنان. وكانت النتيجة أن النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية ترى أن إيران بدأت حرباً متعددة الجبهات، وبقيت هي تراقب.

ومع ذلك، فإن تحرك إسرائيل لرفع تكلفة الصراع باستهداف كبار القادة الإيرانيين أثارت مخاوف في طهران من هجوم مباشر في العمق. ولذلك، أصبحت الضربة المضادة أمرا لا مفر منه.

والأشهر الستة المقبلة ستكون حاسمة للحدَ من خطر تصعيد الصراع، مثل الاتفاق على خطوط حمراء واضحة.

وتستند الإستراتيجية العسكرية الإيرانية في بلاد الشام إلى مفهوم "الدفاع الأمامي"، الذي يستلزم إشراك الخصوم خارج أراضيها لمنع التهديدات من الوصول إلى حدودها.

ومن الركائز الأساسية لهذه الإستراتيجية: شبكة من الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران في جميع أنحاء المنطقة، والمعروفة باسم "محور المقاومة". ويشمل ذلك حزب الله في لبنان، والمجموعات الشيعية المختلفة في العراق، والحوثيون في اليمن، والميليشيات التي ترعاها إيران في سوريا، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني.

تعمل هذه الشبكة على ردع الهجمات المباشرة على إيران، ولكنها تمكن طهران أيضًا من ممارسة نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.

وفي المقابل، تهدف الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية إلى منع ظهور وتعزيز القدرات العسكرية المعادية بالقرب من الحدود المحتلة بترسيخ هيمنة التصعيد. وبعد فشلها في احتواء تمركز حزب الله على جبهتها الشمالية، فإن إسرائيل عازمة على تجنب تكرار ذلك على حدودها مع سوريا بعد عام 2011.

ولهذا السبب، تستهدف "حملتها بين الحروب" البنية التحتية العسكرية المرتبطة بإيران، وشحنات الأسلحة، والإمدادات، ومؤخراً، كبار المسؤولين العسكريين في لبنان وسوريا والعراق عبر الضربات الاستباقية والعمليات السرية. الهدف هو تعطيل بناء قدرات العدو قبل أن يشكل تهديدًا خطيرًا.

وبالتعمق أكثر، نجد أن الإستراتيجية الإسرائيلية تضرب بجذورها جزئياً في مفهوم "الجدار الحديدي"، كما عبر عنه الزعيم الصهيوني اليميني زئيف جابوتنسكي في العشرينيات من القرن الماضي.

وفي خلال الحرب على لبنان في العام 2006، أدى مفهوم "الجدار الحديدي" إلى ظهور "عقيدة الضاحية" التي تفرض قوة غير متناسبة على المدنيين والبنية التحتية المدنية المرتبطة بالعدو رداً على أي هجمات لزيادة الردع. ومن الأمثلة أيضاً على ذلك الحملات العدوانية الإسرائيلية المختلفة في غزة ("قص العشب") وسياسة الأرض المحروقة الحالية.

وفي هذا السياق، كان التصعيد الذي حدث في أبريل 2024 بين إيران وإسرائيل بمثابة صدام بين رغبة عميقة الجذور في إبقاء الصراع بعيدًا عن حدود إيران بسبب ضعفها الناتج عن الجغرافيا والضعف التقليدي، وبين رد فعل متجذر للبقاء للرد بقوة على كل ما يهدد إسرائيل.

تراوحت المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية في المنطقة بين صراع محدود ومنخفض المستوى وفترة قصيرة من الحرب الإقليمية عالية الحدة. يمكن القول إن معظم الأنماط المحتملة قد حدثت بالفعل، على الرغم من أن بعضها حدث لفترة محدودة فقط من الزمن.

النمط الأول للمواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية المستقبلية هو "الصراع غير المباشر المحدود"، الذي يسبق 7 أكتوبر. وهي مواجهة غير مباشرة ولكنها مستدامة بين البلدين، حيث تحاول إيران توسيع موقعها العسكري في سوريا بينما تسعى إسرائيل إلى احتوائه.

ويتلخص هدف إيران المباشر في إنشاء جبهة على غرار جبهة حزب الله تستهدف مرتفعات الجولان. وعموما، تعتزم تعزيز موقعها العسكري والاجتماعي والسياسي في سوريا.

وتسعى إسرائيل باستمرار إلى تحطيم البنية التحتية العسكرية المرتبطة بإيران، مثل مستودعات الإمدادات ومناطق التدريب ومرافق التجميع. كما أنها تعترض قوافل الأسلحة. والطريقة الرئيسية هي الضربات الجوية التي لا تعد ولا تحصى.

ومع ذلك، قبل 7 أكتوبر، لم تكن الضربات الإسرائيلية تستهدف عموما كبار الضباط الإيرانيين مباشرة. وفي المقابل، امتنعت إيران عن الانتقام من الضربات الإسرائيلية، أو فعلت ذلك في العراق ضد قواعد أمريكية محصنة جيدًا عن طريق الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، دون قتل أفراد الخدمة الأمريكية.

ويمكن وصف النمط الثاني من المواجهة الإيرانية الإسرائيلية بـ"الخطوط الحمراء المتغيرة"، وكان هذا نشطًا في الفترة ما بين 8 أكتوبر 2023 و1 أبريل 2024 وقد يتم إحياؤه. وهذا النمط هو في جوهره نسخة أكثر حدة من نمط المواجهة المحدود غير المباشر للصراع.

كانت الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من إبريل بداية نمط ثالث من المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية: "حرب محدودة"، أو صراع مباشر قصير الأمد وعالي الحدة. ومع قيام القوات الإسرائيلية بضرب الأراضي الإيرانية، فقد لامس ذلك ذاكرة طهران التاريخية لمثل هذه الضربات، التي أدت إلى رد فعل منضبط وواسع النطاق.

وقد منع مزيج من الإشارات المبكرة، وضبط النفس والضغط من جانب الولايات المتحدة، فضلاً عن الضرر الفعلي المحدود، أدى إلى اختصار هذه الحلقة ومنع التحول إلى نمط رابع وأخير محتمل من المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية، أي "الحرب الشاملة"، حرب مستدامة ومستمرة.

ولا تستطيع إيران وإسرائيل بمفردهما تحمل مواجهة مباشرة طويلة الأمد. ونتيجة لذلك، فإن أي تحول من صراع قصير إلى صراع طويل الأمد يعتمد على تدخل الولايات المتحدة، باستثناء الهجوم الإسرائيلي المباشر على حزب الله، وقد يؤدي على الفور إلى نمط حرب محدود من المواجهة، ويمكن أن يتصاعد إلى نمط حرب شاملة إذا بدأت إيران ضرب إسرائيل مباشرة لحماية حزب الله.

هذه الأنماط الأربعة للمواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية يمكن أن تتغير بسهولة. والأمر الأكثر وضوحاً هو أن أحد الأطراف قادر على اتخاذ إجراء يهدف إلى إحداث التحول، وهذا ربما ما سعت إليه الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق. وعلى العكس من ذلك، من المحتمل أن يكون الهدف من الهجوم الصاروخي والطائرات من دون طيار الذي شنته إيران هو تقليص حجم الصراع.

تشير السيولة الأخيرة بين هذه الأنماط الأربعة للمواجهة العسكرية إلى أنه من الصعب أكثر فأكثر بالنسبة لإيران وإسرائيل تنفيذ إستراتيجيات كبرى.

وبصورة أكثر تفصيلًا، شهدت الأشهر الثمانية الماضية تطورًا في المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية، بدءًا من الهجمات الانتقامية البسيطة في منطقة محدودة (سوريا ولبنان والعراق) وعلى مجموعة محدودة من الأهداف، نحو حجم أكبر من الضربات على مجموعة واسعة من الأهداف، بما في ذلك الأهداف ذات القيمة العالية.

وبما أن كلاً من إيران وإسرائيل أنشأت شراكات مختلفة في المنطقة على مدى العقدين الماضيين، فإن أنماط المواجهة العسكرية بينهما لها عواقب تتجاوز حدودهما.

تعمل إيران في الغالب من خلال محور المقاومة، وهو شبكة لا مركزية من الجماعات المسلحة، وتنشط أيضا بواجهات سياسية و/أو حركات اجتماعية في معظم الحالات، وتتمتع بدرجات مختلفة من الاستقلال الذاتي فيما يتعلق بطهران، فضلاً عن قدرات متغيرة. وهذه الشبكة قادرة على القتال، وهي منسقة جيدا، ومع ذلك، فإن المحور أقل ملاءمة للحرب التقليدية وأكثر تعرَضا للهجمات الجوية.

وعلى هذا، فالتحالف الإقليمي لإسرائيل يتم مع جهات فاعلة في الدول والحكومات. وفي المقابل، يتكون التحالف الإقليمي لإيران من شبكة من الجهات الفاعلة شبه الحكومية التي يمكن أن تشمل حكومات البلدان التي تنشط على أراضيها في صراع إيراني إسرائيلي مباشر دون موافقتها.

وهنا، يمكن الإشارة إلى ملاحظات:

أولا، تتمتع إيران بقدرة أقل من السيطرة على خطر التصعيد مقارنة بإسرائيل.

ثانياً، من المرجح أن تعاني بعض دول المنطقة، وخاصة لبنان وسوريا والعراق، من أضرار جانبية أكبر من غيرها بسبب المواجهة الإيرانية الإسرائيلية.

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.