باكستان والعسكر...قصة صعود "عمران خان" والتخلص منه

 

في باكستان، يجوز للسياسيين المدنيين أن يمارسوا أي لعبة يريدونها، ولكن في المجمع الحكومي المخصص لهم فقط.

الهيمنة السياسية للقوات المسلحة الباكستانية هي حقيقة راسخة. وفي أسوأ حالاتها (ثلاث فترات من الدكتاتورية العسكرية منذ عام 1958)، بدت سياسة البلاد وكأنها مجرد انعكاس سطحي لاضطرابات أعمق داخل القيادة العسكرية.

كانت الحكومة الرسمية تنتقل عادة بين حزبين تديرهما سلالات عائلية: الرابطة الإسلامية الباكستانية وحزب الشعب الباكستاني، وكلاهما نجح بالاعتماد على القوة العسكرية. ونتيجة لهذا فقد بدت السياسة الباكستانية وكأنها لعبة متعبة من الكراسي الموسيقية التي صممها الجنرالات.

وقد تعرض هذا الترتيب القديم لتحدي خطير مع صعود عمران خان. في عام 2018، أصبح خان رئيسًا للوزراء على رأس حزب متمرد، حزب الإنصاف (PTI). تحول خان، وهو رياضي مشهور، إلى رجل دولة، ووضع نفسه بوعي ذاتي على أنه مناهض للنخبة.

بالنسبة للطبقة الوسطى الجديدة، وكثير من المغتربين، كان لهذا الأمر جاذبية كبيرة. ولم يبدأ مشروعه فعليًا إلا في عام 2010. بعد أن اجتذب اهتمام المؤسسة العسكرية، على الرغم من أن حزبه تأسس في العام 1996، وكان لسنوات عديدة وسيلة لظهوره العلني. دخل خان الحكومة بعد أن تعهد بإسقاط الأساليب القديمة: إنهاء الفساد، ورفض السياسة الخارجية التابعة، ووقف الدوامة السياسية الأسرية.

ومع ذلك، بصفته رئيسًا للوزراء، لم يقلب خان الطاولة كثيرًا بل جلس في مقعده بأدب. لقد كان وجهاً جديداً ولم يكن له لقب شريف أو بوتو أو زرداري، لكن حكومته لم تحسم في القطع مع الماضي.

وبحلول عام 2022، أدت الأزمات الاقتصادية المتعاقبة إلى تآكل دعمه الشعبي. وأظهر الوقت الذي قضاه في السلطة أنه كان لديه الكثير من القواسم المشتركة مع القوميين التقليديين الآخرين: جايير بولسونارو في البرازيل، قيس سعيد في تونس. ويفضل خان مقارنته برجب طيب أردوغان. ولكن فيما يتعلق بالمسألة الحاسمة المتعلقة بالتأثير العسكري على السياسة الوطنية، لم يكن خان، على عكس أردوغان، يؤيد استئصال السلطة السياسية للجيش، الذي أدار انتخابه في عام 2018. وفي جوهره، كان خان واجهة جديدة للجيش.

ومثل معظم رؤساء الحكومة الباكستانية منذ السبعينيات، سرعان ما فقد خان شعبيته لدى الجنرالات. وفي أبريل 2022، أُجبر على ترك منصبه بعد أن نظمت وكالة المخابرات الباكستانية، وهي وكالة المخابرات التي يسيطر عليها الجيش، تصويتًا بحجب الثقة عنه في منتصف الليل. وكانت هناك أيضًا محاولة اغتيال فاشلة. وفي مايو 2023، ألقي القبض عليه ووجهت إليه تهم الفساد وتسريب أسرار الدولة، ونُقل إلى سجن أديالا في روالبندي، قبل أن يُحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة، ثم عشرة، ثم أربعة عشر عامًا.

كان من الممكن أن تنتهي القصة عند هذا الحد. ولكن على الرغم من سجنه وقمع حزبه، فقد شهد خان منذ ذلك الحين انتعاشا غامضا في حظوظه. وقد واجهت الحكومة المؤقتة التي استمرت ستة عشر شهراً والتي تولت السلطة بعد إقالته، انهيارا اقتصاديا بطيئا تفاقم بسبب الفيضانات القاتلة. وتضاعف التضخم وانهارت الاحتياطيات الأجنبية للبلاد.

وبعد إعفائه من المسؤولية عن الأزمات السياسية والمناخية والاقتصادية في باكستان، أعاد خان تنشيط حزبه. كرئيس للوزراء، كان يفقد باضطراد الدعم الشعبي الذي كان يحظى به في السابق. لكن بصفته السجين رقم 804، تم تحويله إلى رمز للتحدي ضد المؤسسة الباكستانية.

وأجلت الحكومة البديلة الانتخابات الجديدة التي طالب بها الدستور، ولم يتم إجراؤها حتى فبراير من هذا العام. مُنع خان من خوض المنافسة واضطر مرشحو حزبه إلى الترشح مستقلين تحت مجموعة متنوعة من الرموز الانتخابية. وعملت قيادات الحزب بلا كلل لحشد الأصوات باستخدام مجموعات الواتساب وقواعد بيانات المؤيدين المحتملين. ولكن عندما أُعلنت النتائج الرسمية كان من الواضح أنهم تلاعبوا بها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من جميع التدابير المتخذة ضده، ظل حزب حركة الإنصاف الباكستاني قادرًا على إظهار دعم قوي بشكل ملحوظ لمرشحيه، وفاز بأغلبية الأصوات الشعبية و93 مقعدًا في الجمعية الوطنية. ومن المفارقات أن النتائج المطبوخة أثبتت أنه في حالة وجود منافسة أكثر عدلاً، فمن المحتمل أن يفوز خان بأغلبية كبيرة.

وكان الجيش قد سمح العام الماضي لزعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، جناح نواز شريف، رئيس الوزراء السابق نواز شريف، بالعودة إلى باكستان من لندن لقيادة الهجوم ضد خان وحركته. لكنه اضطر إلى قبول الفشل المخزي وألغى خطاب النصر في لاهور. وكان الجيش قد كلف نواز بدفن حركة الإنصاف الباكستانية لكنه فشل.

يسيطر الجيش على السياسة الوطنية منذ الخمسينيات، أي العقد الذي تلا التقسيم. وكل زعيم مدني حاول التدخل في خططها، أو في خطوط خلافتها، من بينظير بوتو إلى عمران خان، دفع ثمنا باهظا.

في نوفمبر 2022، اعترف رئيس أركان الجيش قمر باجوا، في خطابه الوداعي، بـ"التدخل المستمر للجيش في السياسة على مدار السبعين عامًا الماضية"، لكنه قال إنه تم اتخاذ قرار بالتوقف عن التدخل. لكن قبل سبعة أشهر، أُطيح بخان بمساعدة وكالة الاستخبارات الباكستانية. لكن من الناحية العملية، أصبح الجيش أقلَ وصاية على الدولة.

ليس سرًا أن خان لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين عائلات ضباط الجيش، الذين يشعرون أنه أقل فسادًا من آل شريف وبوتو زردار.

ساعدت المؤسسة العسكرية خان في الوصول إلى السلطة في عام 2018، ثم انقلبت عليه قبل انتهاء فترة ولايته. وهذا لأن الناس سئموا، حقا، من الفساد السياسي وإهدار الأموال واستنزافها، وكانت الفكرة هي أن خان يتمتع بقدر أكبر من النزاهة.

مع ذلك، في أوائل عام 2022، قرر كبار الجنرالات أن العمل مع خان صعب جدا، وغير راغب في التنازل عن المسائل التي يدعي الجيش أن لها صلاحياته. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، أظهر عدم مرونته عندما رفض التفاوض مع القيادة العليا للجيش بشأن السماح للولايات المتحدة بإدارة عمليات استخبارية خارج القنصلية في بيشاور، أو إنشاء بعض المنشآت العسكرية الصغيرة في باكستان.

عندما وصل إلى موسكو في 23 فبراير 2022، لم يكن لدى خان أي فكرة أن بوتين سيشن غزوه لأوكرانيا في اليوم التالي، لكن قراره بتناول الغداء مع بوتين، وهو ما يتعارض مع طلب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أثار غضب الجيش الباكستاني.

لكن الجيش انقلب على "خان" قبل الانسحاب من أفغانستان وغزو أوكرانيا. صحيح أن الولايات المتحدة أعربت عن استيائها من "خان"، لكن التحرك ضده كان مخططاً له قبل ذلك الحين، وكان قادة العسكر يعملون عليه فعلا. وسجن خان هو في النهاية محاولة من جانب الجيش لحل مشكلة من صنعه.

وكان يُنظر إلى "خان" على أنه وسيلة لإبقاء الأحزاب السياسية الرئيسية في صف الجيش. وكان انتقاده اللاذع لفساد آل شريف وبوتو زردار، وخطابه الرافض للقوة الأمريكية المتعجرفة، يتوافق مؤقتاً مع أهداف الجيش. وعندما لم يعد مفيدا استغنى عنه العسكر.

ولم تكن تجارب الجنرالات في الحكم المباشر، في عهد ضياء الحق بعد عام 1977 وبرويز مشرف بعد عام 1999، ناجحة. ولم يتمكن الجيش الباكستاني من تشكيل حزب سياسي واجهة خاص به. ولذلك عادت إلى دعم الاحتكار الثنائي الفاسد للوضع الراهن الذي سعى ذات يوم إلى تقويضه.

لكن انتخابات فبراير أظهرت مدى اهتزاز واضطراب النظام، خاصة في ظل المواجهة بين منير (قائد الجيس الباكستاني) وخان. وبهذا، تزايد عدم الرضا عن المؤسسة الحاكمة نتيجة للحالة الفظيعة للاقتصاد الباكستاني. والمشكلة الأعمق هي أن "خان" عرض إنقاذ نظام غير قابل للإصلاح أصلا.

*رابط المقال الأصلي: https://www.lrb.co.uk/the-paper/v46/n10/tom-stevenson/one-grave-two-bodies

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.