"فورين بوليسي"...إسرائيل فشلت في استعادة الردع

 

القضية الأكثر أهمية في الصراع الدائر اليوم في غزة، هي الردع. 

صحيح أن تفوق إسرائيل العسكري على أعدائها واضح، لكن الحرب لا تتعلق بكمية القنابل التي تسقطها، بل بالأهداف التي تحققها. والمفهوم الذي كان يوجَه الإستراتيجية الإسرائيلية دائمًا (الردع) قد لا يصمد في الحرب الحالية.

منذ تأسيس إسرائيل وحتى الوقت الحاضر، لم يهيمن أي مفهوم كاملا على الخيال الإستراتيجي للكيان الصهيوني بقدر ما سيطر مفهوم الردع.

 وقد أوضح رئيس الوزراء الأسبق، أرييل شارون، ذات مرة، أن "السلاح الرئيسي للبلاد: الخوف منا". وفي هذا قال الجنرال الإسرائيلي الشهير "موشيه ديان": "يجب أن يُنظر إلى إسرائيل باعتبارها كلبا مسعورا، خطيرا جدًا، بحيث لا يمكن إزعاجه".

ولهذا السبب، بعد الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، فُرضت ضرورة وجودية غير مسبوقة لإعادة بناء قوة الردع في البلاد، وقد كانت تتضاءل باطَراد منذ انسحاب إسرائيل من لبنان في مايو 2000.

استعراض إسرائيل غير المسبوق للقوة العسكرية في غزة، وما ارتبط به في أماكن أخرى من المنطقة، فشل في استعادة الردع الإسرائيلي، وحتى هجومها على الأهداف الإيرانية فشل في استعادة الردع.

والحرب النفسية الإيرانية المتعمدة أبقت إسرائيل على أهبة الاستعداد قبل الانتقام النهائي. كما أنها منحت إسرائيل وحلفاءها الوقت لإعداد دفاعاتهم. وقد أشار المحلل العسكري الإسرائيلي، تال عنبار، إلى أنه على الرغم من إنفاق المليارات على مدن الصواريخ تحت الأرض، اختار الإيرانيون شن أكبر هجوم صاروخي باليستي بصواريخ فوق الأرض، مما يجعلها قابلة للاكتشاف لمختلف منصات جمع المعلومات الاستخبارية.

لعقود من الزمان كانت العقيدة الإستراتيجية الإسرائيلية خاضعة لسيطرة مفهوم فريد من نوعه للردع، أو ما أشار إليه شارون بـ"خوف المنطقة منا". ولكن مع الصورة الدائمة للرؤوس الحربية الإيرانية التي تحلق فوق سماء إسرائيل، والتي أصبحت الآن محفورة بقوة في وعي المنطقة، أصبح الحفاظ على هذا الخوف أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

ويشير نطاق الهجوم الإيراني وزخمه وتوقيته واتصالاته الرسمية إلى أنه كان مُصممًا ليكون استعراضا للقوة لإثارة الخوف مع تقليل خطر وقوع إصابات. وقد اخترقت عدة مقذوفات إيرانية المجال الجوي الإسرائيلي، ووصلت إلى أقصى مناطق جنوب البلاد (المحتل)، بما في ذلك قاعدة جوية إسرائيلية. وعلى الرغم من الادعاءات الإسرائيلية الرسمية بأنها اعترضت 99% من المقذوفات الإيرانية، فقد تم تحقيق ذلك بمساعدة كبيرة من الجيوش الفرنسية والأردنية والأمريكية والبريطانية.

وفي تناقض صارخ، يبدو رد إسرائيل على الانتقام الإيراني الآن مخيبا، سواء من حيث الجوهر أو الاستعراض. وعلى النقيض من إيران، التي نقلت عزمها عبر قنوات مختلفة، بما في ذلك الأمم المتحدة، بدا رد إسرائيل على الانتقام الإيراني مفككا ويفتقر إلى الوضوح.

ولا تزال طبيعة وأصل الضربة الإسرائيلية غير واضحة، مع عدم وجود بيان نهائي من المسؤولين الإسرائيليين أو صور مميزة للتعبير عن تأثيرها. كما لا يوجد دليل قاطع على الأسلحة الإسرائيلية المستعملة، سواء كانت طائرات حربية أو طائرات مسيرة، حتى إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتامار بن جفير، لم يجد بُدا من السخرية بالضربة الإسرائيلية الفاترة، واصفا إياها بـ"العرجاء".

وعلى الرغم من وجود نظام دفاع جوي متطور ومتعدد الطبقات يكلف بناءه وصيانته وتجديده المليارات، فقد تطلب الأمر جهدًا شاقًا شاركت فيه القوات الإسرائيلية والفرنسية والأردنية والبريطانية والأمريكية، إلى جانب مليارات الدولارات من تكاليف الاعتراض، لإسقاط الصواريخ الإيرانية.

وجاء ذلك على الرغم من الاستعدادات المسبقة والتقارير التي تفيد بأن نصف الصواريخ الإيرانية فشلت سواء عند الإطلاق أو أثناء الطيران. ومع ذلك، فقد اخترق عدد غير معروف من الصواريخ الإيرانية الجدار الدفاعي السميك لإسرائيل.

وقد يدفع نطاق وحجم الهجوم الإيراني، إلى جانب خنوع الرد الإسرائيلي، المخططين العسكريين الإسرائيليين إلى مراجعة إستراتيجية قد تعيد تشكيل الحسابات الأمنية للبلاد لسنوات قادمة.

**رابط المقال الأصلي: https://foreignpolicy.com/2024/05/01/israel-has-failed-to-restore-deterrence/

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.