يقول الصحفي "يوفال أبراهام"، المعروف بمصادره الجيدة في سلسلة القيادة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية، إن معظم الحملة الجوية استهدفت غزة، وليس حماس، كما تدعي إسرائيل. وفي بعض الحالات، قُتل مئات المدنيين أثناء محاولة جيش الاحتلال استهداف شخصية واحدة من حماس.
ووفقا لمصادر "أبراهام"، فإن غالبية الغارات الجوية تركز بوضوح على أهداف مدنية. وفي ديسمبر، وصف عالم السياسة الأمريكي "روبرت بيب" ما حدث بأنه "واحدة من أشد حملات العقاب المدني في التاريخ".
وكانت معدلات القتل للمدنيين أعلى مما كانت عليه في معظم حروب هذا القرن، حيث وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من ألفي (2000) حالة وفاة أسبوعيا. وكانت هناك غارات جوية على سيارات الإسعاف، وغارات جوية على المخابز، وغارات جوية على مدارس الأمم المتحدة التي تستعمل ملاجئ. وأصبح دور الجمعيات الخيرية الدولية يقتصر على إحصاء عمليات بتر الأطراف يوميا. وتحول قسم كبير من المناطق الحضرية في غزة إلى أرض نارية غير مستوية من التلال السوداء الرمادية.
وفي إسرائيل انتشرت الرغبة في الانتقام على هجوم 7 أكتوبر على نطاق واسع. ولكن من الواضح أن الجيش الإسرائيلي لم يكن يعلم عما يحدث داخل غزة إلا أقل بكثير مما كان يعتقد.
وإذا كانت إسرائيل قد غفلت عن هجوم خُطَط بدقة وعلى هذا النطاق الواسع، فكيف كان عليها الآن أن تقوم بعملية عسكرية متماسكة؟ ولهذا، فإن القضاء على حركة حماس أو تدميرها سيكون أمرا صعبا جدا، وربما مستحيلا، حتى لو كانت لدى إسرائيل معلومات استخبارية جيدة في القطاع.
وفي مواجهة حقيقة أن الأمر لا يمكن أن يحدث، فإن الحل الذي أمام إسرائيل هو تدمير غزة. قد تطلبت الحرب تعبئة ما لا يقل عن 360 ألف جندي احتياطي: أي 4 في المائة من مجتمع إسرائيل. وكانت الطبيعة القتالية واضحة من اليوم الأول: ستُدمر غزة وسيُغرس العلم الإسرائيلي على أنقاضها. كان الجنود يسجلون دفقا مستمرا من مقاطع الفيديو التي يوثقون فيها ويحتفلون بطرد الفلسطينيين من منازلهم. وكما قالت القناة 13 الإسرائيلية، فإن القوات الإسرائيلية ستحتفل بـ "الحانوكا في ساحة فلسطين".
لم تحقق العمليات العسكرية الإسرائيلية أيًا من أهدافها العامة، ويبدو أن الهدف الحقيقي هو العقاب الجماعي والتدمير الشامل. وقد مكَنت السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية إسرائيل من القيام بما تفعله الآن.
وهناك إيهام لإلقاء اللوم على اليمين الإسرائيلي في وحشية الحرب. لكن الانقسامات السياسية تلاشت بعد 7 أكتوبر. صحيح أن الدعم المحلي لحكومة نتنياهو ضعيف وتواجه انتقادات لفشلها في استعادة الأسرى، ولكن هناك إجماع قوي لصالح الحرب المدمرة، باستثناء عدد قليل من المعرضين على الهامش.
ولا يمكن النظر إلى حرب إسرائيل الفتاكة والمدمرة بمعزل عن الولايات المتحدة، لأن الحماية الأمريكية تشكل البيئة التي تعمل فيها إسرائيل. وكان المقصود من نشر مجموعات حاملات الطائرات الأمريكية في المنطقة (إلى جانب عدد قليل من السفن الحربية البريطانية) أن تُظهر للدول المجاورة أن إسرائيل لا تحارب بمفردها، وبالتالي التخفيف من خطر المعارضة الإقليمية.
فالقنابل المصنعة في تكساس مزودة بأنظمة توجيه دقيقة من ولاية ميسوري، ثم تُشحن إلى أوروبا، ثم تُنقل جواً، ربما عبر القواعد البريطانية في قبرص، إلى إسرائيل قبل إسقاطها على غزة.
وسرعان ما قدمت الولايات المتحدة مبلغًا إضافيًا قدره 14.5 مليار دولار من المساعدات الطارئة لإسرائيل من أجل المجهود الحربي. وتشمل الإمدادات العسكرية 2000 صاروخ هيلفاير و57000 قذيفة 155 ملم. وعندما اقترب الجيش الإسرائيلي من استنزاف مخزونه من قذائف الدبابات عيار 120 ملم، وافقت وزارة الخارجية على شحنة مكونة من 14 ألف قذيفة أخرى. وفي 20 أكتوبر، طلب البيت الأبيض إزالة جميع القيود المفروضة على وصول الذخائر إلى إسرائيل. وكشف الصحفيان الأمريكيان "كين كليبنشتاين" و"ماثيو بيتي" أن القوات الجوية الأمريكية نشرت ضباط استخبارات في تل أبيب لتقديم الدعم المستهدف للحملة الجوية. ومنعت الولايات المتحدة إمكانية ممارسة ضغوط فعالة من الأمم المتحدة.
بعد أسبوع من بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة، سافر أنتوني بلينكن إلى تل أبيب لإجراء محادثات لمدة تسع ساعات في مخبأ المراقبة تحت الأرض أسفل مقر قيادة الجيش الإسرائيلي، المعروف باسم "الحفرة". ويواصل المسؤولون الأمريكيون، الذين لم يثنهم الدمار، زياراتهم المستمرة إلى الكيان الصهيوني للتأكيد من جديد على ما وصفه وزير الدفاع، لويد أوستن، بالدعم الأمريكي "الثابت".