كان أحد أخطاء اندفاع وتهور السلطة الجزائرية، خاصة من قبل قيادة أركان المؤسسة العسكرية، تجاه الارتباط الوثيق بروسيا نكاية في فرنسا وضمانا لتحالف موثوق، أن سهلت دخول مرتزقة "فاغنر" إلى مالي وأمدتهم بما يلزم. لتنقلب عليها روسيا، عبر ذراعها "فاغنر"، بعد أن توسعت في أنحاء منطقة الساحل في فترة زمنية قصيرة، واقترن هذا مع تعزيز الإمارات لنفوذها وتمددها في السودان وتشاد، ومولت ميلشيات الدعم السريع في السودان في مواجهة قوات الجيش السوداني بقيادة البرهان، وكان أكثر الدعم عبر خط ليبيا (مناطق سيطرة الجنرال حفتر) وشمال تشاد، وتحديدا في بلدة أم جرس، عاصمة منطقة إندي إست، وكذا تنامي الخلاف واتساع الفجوة بين السلطة في الجزائر وحكام الإمارات، وهذا يحتاج إلى مقال مستقل، بسبب ما وصفته الجزائر بالمكايد والدسائس التي تحيكها الإمارات ضد البيئة والعمق الإستراتيجي للجزائر في حدودها الغربية والجنوبية.
وتكافح الجزائر، الآن، في مواجهة جغرافية سياسية إقليمية صارت معادية لها، وتميزت بظهور جهات فاعلة عدوانية جديدة. والجيش الجزائري الآن "تحت الضغط" على الحدود.
ويكشف تراجع نفوذ الجزائر في مالي عن مدى صعوبة التكيف مع ظهور جهات فاعلة جديدة في بيئتها الساحلية والصحراء.
وثمة قلق رسمي جزائري في مواجهة اندفاع باماكو العسكري المتهور، ولا سيَما قرارها بإنهاء الاتفاق المبرم في عام 2015 بين الحكومة والجماعات المسلحة (الطوارق والعرب) في الشمال تحت رعاية الجزائر.
وكانت التسوية لوضع حد للتمرد في المنطقة الشمالية من مالي مصدر فخر كبير للجزائر، ورمزا لقدرتها على فرض تسوية إقليمية. وقد وجدت "قوتها الناعمة" الدبلوماسية، وكانت محسوسة في مختلف أنحاء المنطقة، دعما قويا هناك. ومع ذلك، فإن "اتفاق الجزائر" هذا دُفن اليوم من قبل باماكو.
والطريق الآن مفتوح لتعميم الهجوم العسكري في شمال البلاد. وكانت استعادة بلدة كيدال، المعقل التاريخي لتمرد الطوارق، في أكتوبر الماضي، بمساعدة مرتزقة "فاغنر"، بمثابة الإنجاز الأول في عملية "استعادة الوحدة الترابية"، التي تظل نتائجها غير مؤكدة.
ولا يمكن للجزائر إلا أن تشعر بالقلق إزاء اندلاع صراع جديد خارج عن سيطرتها بالقرب من الحدود المشتركة مع مالي، ويبلغ طولها 1300 كيلومتر. ويزداد الأمر سوءًا لأن نظام باماكو يُظهر عداوة متزايدة تجاه الجزائر المتهمة بـ"التدخل"، فهل ستتحول السلطة العسكرية الانقلابية في باماكو خنجرا في خاصرة الجزائر؟