هل انقلبت روسيا على الجزائر؟

 

يبدو أن روسيا نجحت، حتى الآن، في تأمين شرايين الحياة لاقتصادها وربما حربها في أوكرانيا، ومكنها من هذا التوسع الإفريقي ووضع يدها على بعض موارده، وتسعى موسكو، الآن، للحفاظ على نفوذها العسكري في منطقة الساحل الإفريقي.

ولم تكن النجاحات التي حققتها روسيا مجرد مسألة فطنة ودهاء، فقد استفاد الكرملين من أخطاء الغرب العديدة وكوارثه في مستعمراته السابقة.

تضخَم نفوذ روسيا في إفريقيا، وخاصة في الساحل (دول جنوب الصحراء)، تدريجيا، وأصبحت مالي ثاني أكبر محطة لضخ مرتزقة "فاغنر"، الذراع العسكرية للكرملين، في المنطقة بعد ليبيا، برعاية الجنرال المنشق، حفتر، وتعمل (روسيا) الآن على بناء قاعدة عسكرية هناك، قريبا من باماكو، وبسط سيطرتها على مناجم الذهب والمعادن، لتمويل حربها مع أوكرانيا، وتوسيع مواردها، وتستعمل إفريقيا في مواجهتها مع الغرب

وفي السباق ذاته، نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن مصادر أمنية محلية إنشاء أول قاعدة عسكرية روسية في عاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو، للفيلق الإفريقي، التسمية الجديدة للتغلغل الروسي. وتبحث لها، حاليَا، عن قاعدة بحرية في ليبيا، وتستعمل طرق الهجرة السرية عبر ليبيا لتُغرق جنوب المتوسط بالمهاجرين وتضغط بهذه الورقة على الغرب.

وما كان لروسيا أن تزرع شبكة "فاغنر"، قبل سنتين، لولا التسهيلات التي قدمتها الجزائر لروسيا قبل سنتين لانتشار مرتزقة "فاغنر" في مالي، وتعرضت بعدها لضغوط أمريكية وفرنسية، انقلبت عليها الآن، وباتت "فاغنر" قريبة من الحدود الجنوبية الجزائرية، خاصة بعد السيطرة على مدينة "كيدال"، عاصمة حركة "الأزواد" في شمال مالي.

وتبدو الجزائر قلقة مما آل إليه الوضع في عمقها الإستراتيجي في حدودها الجنوبية، ليبيا ومالي والنيجر، واشتد التنافر بينها وبين باماكو، وتراجع تأثيرها في دول الساحل في السنوات الأخيرة، وتسلل غيرها إلى عمقها ومجالها الحيوي. ويعجب مراقبون من أن أكبر قوة أجنبية مؤثرة في سياسات مالي، اليوم، هي روسيا، وقد كانت الجزائر ترى فيها حليفا "إستراتيجيا"، ويبدو أن موسكو لا ترى الجزائر من المنظور نفسه، وربما لا تتعدى أهميتها أكثر من سوق مغرية للأسلحة الروسية، وأداة وظيفية أو ورقة تستعمل في الصراع (الروس) مع الغرب.

وحتى داخل طبقة الحكم في الجزائر، ليس ثمة انسجام بين الرئاسة وقيادة أركان الجيش حول التهديدات ومخاطر الأمن القومي وإدارة البيئة المحيطة المعادية، والسلطة الفعلية مسؤولة عن كثير منها. والكلمة الأخيرة في الجزائر بيد قادة العسكر، وقد كانوا أكثر تحمسا واندفاعا في توثيق العلاقة مع روسيا، ولهذا سهَلوا تسلل مرتزقة "فاغنر" إلى مالي، وكانت صحراء الجزائر هي بوابتهم إلى منطقة الساحل، ثم تولى خصمها (الجزائر)، الجنرال الليبي المنشق، حفتر، ورجل روسيا القوي في الشرق الليبي، إمداد "فاغنر" بالسلاح الروسي.

اللعبة مُعقدة جدا، والتنافر يشتد بين الجزائر ودول الساحل، وخاصة مالي، ومخاطر التصعيد المتبادل تزداد، وقد استغلت موسكو تراجع النفوذ الفرنسي والبصمة الأمريكية هناك، لتدير اللعبة، ولو إلى حين، وتصبح سيدة اللعبة في منطقة الساحل وما وراءها، بإسناد إماراتي، في كثير من مناطق نفوذها من شرق ليبيا إلى السودان وتشاد.

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.