كيف انتصر عمران خان على خصومه من السجن؟

موقع "ميدل إيست آي" 
 
سوف يُذكر يوم الخميس الماضي، 8 فبراير، باعتباره يوم قوة الشعب في التاريخ السياسي لباكستان.
 
أسفرت الانتخابات العامة الثانية عشرة في البلاد عن فوز كبير لرئيس الوزراء السابق عمران خان والمرشحين التابعين له. كان خان، المسجون حاليا، على مدى العامين الماضيين على الطرف المتلقي لغضب الدولة الباكستانية، لكنه خرج منتصرا.
 
وكان تصميم المجال الانتخابي يهدف إلى تقليص أي فرص لنجاح خان، مع اعتقال القيادة العليا لحزبه "الإنصاف" الباكستاني أو إرغامه على التحول إلى أحزاب أخرى. وفُرضت قيود شديدة على الحملات الانتخابية لحزب حركة الإنصاف الباكستاني، وحُظر رمزه الانتخابي.
 
ولمواجهة ذلك، اعتمد حزب خان على وسائل التواصل الاجتماعي والحملات عبر الإنترنت لتثقيف وتعبئة الناخبين. وقد ثبتت صحة هذه الإستراتيجية في يوم الانتخابات، حيث خرجت حشود من أنصار خان للانتقام من سجنه السياسي عن طريق التصويت.
 
ولم تردع أجواء الخوف والترهيب قاعدة دعم الزعيم السابق. وكان هذا مفاجئاً، فحتى أولئك الذين ألمحوا إلى زيادة هائلة في دعم خان كانوا متشككين في أن يترجم ذلك إلى أصوات.
وفي الواقع، يبدو أن المشهد السياسي في البلاد يشهد تحولاً زلزالياً. لقد سحقت ثورة خان الانتخابية، التي حفزتها صموده الذي لا يتزعزع من زنزانته، محاولات الدولة لجعله غير ذي أهمية سياسية.
 
ومع ذلك، عندما أصبح الحجم الهائل لانتصار خان واضحا، مما يشير إلى أن المرشحين التابعين له حصلوا على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، بدأت عملية الاحتواء. تباطأت النتائج، وسرعان ما ظهرت مزاعم التلاعب بالانتخابات، حيث قال حزب الرابطة الإسلامية إن مسؤولي الانتخابات "غيروا زورا" نتائج أكثر من عشرة مقاعد.
 
* السلالات تحت التهديد:
وظهر مثال مذهل بشكل خاص في لاهور. مع خروج خان من الطريق واستعادة علاقته مع المؤسسة العسكرية، كان رئيس الوزراء السابق نواز شريف (زعيم حزب الرابطة الإسلامية وإحدى العائلات السياسية التقليدية المهيمنة) يتوقع أن يبحر نحو النصر، ولكن مع بدء ظهور النتائج وتفوق مرشحي حزب حركة الإنصاف الباكستاني بهامش كبير، هدد سيل انتخابي بالقضاء على السلالات السياسية الوطنية والمحلية في باكستان.
 
ورغم أن "نواز الشريف" نفسه ادعى في نهاية المطاف أنه فاز بمقعده في لاهور، فإن الإحصاء الرسمي الذي أعلنه حزبه أظهر تناقضات غريبة، بما في ذلك نتيجة عدم وجود أصوات لأكثر من عشرة مرشحين، وهو ما يشير إلى أنهم لم يصوتوا حتى لأنفسهم.
 
وكانت الانتخابات بمثابة إذلال ملحمي، ليس فقط للطبقة السياسية التقليدية في باكستان، بل وأيضاً لأصحاب المصلحة في السلطة، الذين اعتقدوا أنهم محوا خان من الخريطة السياسية ويتوقعون منه الآن أن يستدرَ عواطفهم.
 
وقد باءت جميع المحاولات التي بذلتها أجهزة الدولة لإضعاف قاعدة دعم خان وعكس اتجاه تسييس الطبقات الوسطى الحضرية والريفية في باكستان بالفشل.
 
وما تلا ذلك، كان عملية واسعة النطاق للسيطرة على الأضرار، مما أثار مزاعم بالتلاعب بالنتائج في مناطق رئيسية. ومع ذلك، فحتى لو تعرض حزب خان للسرقة في أماكن مثل البنجاب، فإن حزب "حركة الإنصاف"، بزعامة عمران خان، اكتسح قاعدة سلطته التقليدية، إقليم خيبر بختونخوا في الشمال الغربي، ويحتفظ بتمثيل كبير في مناطق أخرى.
 
وخلافاً لرغبة المؤسسة العسكرية، منحت الانتخابات خان مرة أخرى مقعداً على الطاولة السياسية، حتى مع بقائه في السجن.
 
هذه مجرد الحلقة الأخيرة في ملحمة تتكشف منذ أبريل 2022، عندما أُقيل خان من منصب رئيس وزراء البلاد بعد معركة برلمانية طويلة، وضعته في مواجهة المؤسسة السياسية والعسكرية القوية في باكستان. ولكن مع الإطاحة بخان ومواجهة الاضطهاد بعد ذلك، زادت قاعدة دعمه.
 
وصاحب هذا قبول عام لرواية خان بأنه ضحية لعملية تغيير النظام التي وافقت عليها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى فشل حكومة خان التي خلفت في الوفاء بالتزاماتها على الجبهة الاقتصادية، والقمع السياسي المستمر لمؤيدي حزب الرابطة الإسلامية.
 
* تغير المشهد السياسي
باءت كل المحاولات التي بذلتها أجهزة الدولة لإضعاف قاعدة دعم خان وعكس اتجاه تسييس الطبقات المتوسطة الحضرية والريفية في باكستان بالفشل، وذلك بفضل مثابرة خان في مواجهة الشدائد.
 
وهذا لا يعني أنه لم يرتكب أخطاء. ولم يؤد قرار خان العام الماضي بحل المجالس الإقليمية في حملة لإجراء انتخابات مبكرة إلا إلى تمكين خصومه وتقييد المجال السياسي لحزبه. وعلى عكس الجماعات السياسية الأخرى في باكستان، لم يحاول خان إقامة روابط سياسية ذات معنى خارج البلاد. ونظرًا لافتقاره إلى أي رعاية أجنبية، كان دائمًا بمفرده في المواجهات مع الجيش.
 
لكن المواجهة بين خان والجيش الباكستاني لم تنته بعد. ستُستعمل كل الحيل المتعارف عليها لإبعاده وحزبه عن السلطة. لكن الزلزال الانتخابي الذي وقع في الثامن من فبراير أظهر أن جماهير البلاد متحالفة مع خان، وأي محاولات أخرى لتقويضه سياسيا قد لا تكون أكثر من مجرد تدابير مؤقتة، دون أي تأثير حقيقي على موقف خان السياسي.
 
لقد تغير المشهد السياسي كثيرا في باكستان على يد خان المسجون، الأمر الذي وضعه بالتالي بين صفوف شخصيات كاريزمية مثل محمد مصدق في إيران وعدنان مندريس في تركيا.
واليوم، تدور سياسة البلاد حول شخصيته، ومع هزيمة نواز الشريف، لا توجد شخصية على المستوى الوطني قادرة على تحدي خان. ومن المرجح أن يتم إعادة تعيين رئيس الوزراء السابق شهباز شريف، شقيق نواز، لرئاسة حكومة ائتلافية تفتقر إلى الشرعية الشعبية.
 
بدأ الوضع السياسي الراهن في البلاد وهياكل السلطة المهيمنة في الانهيار. وفي الواقع، ربما لا يزال خان في السجن، لكن انتصاره السياسي النهائي أصبح الآن مجرد مسألة وقت.
 

الرسائل الإخبارية

للاطلاع على آخر مقالات "موقع الندوة"، نرجو الاشتراك في خدمة جديد الندوة التي تصل إلى بريدكم الإلكتروني مباشرة من الموقع.