قبل أيام، أعلن رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو أن بعض دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تدرس إمكانية إرسال قواتها العسكرية إلى أوكرانيا انطلاقا من اتفاقيات ثنائية. وهي الاتفاقيات الأمنية الثنائية التي أبرمتها أوكرانيا مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا. وفي كييف، كان هذا ما يسمى إنشاء حلف شمال الأطلسي المصغر ضد روسيا.
وأدلى، مؤخرا، عديد من الزعماء الأوروبيين بتصريحات مماثلة بشأن نشر قوات حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا. فهل هذا مجرد خطاب؟ يبدو أنه يندرج ضمن خطط سياسية وإعلامية مدروسة. وعلى مدى العامين الماضيين، نُشرت عشرات الآلاف من القوات بالقرب من الحدود الأوكرانية.
في الأسبوع الماضي، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن احتمال قيام الدول الغربية بإرسال قوات إلى أوكرانيا لا يمكن استبعاده. ورغم أن ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة سارعت إلى النأي بنفسها عن هذا التأكيد، فإن الزعيم الفرنسي لم يكتف بالتمسك بموقفه بل كثف موقفه: "لا توجد خطوط حمراء". إذا تحركت الجبهة في أوكرانيا نحو أوديسا أو كييف، فقد تنشر باريس قواتها في البلاد".
ويأمل بعض القادة الغربيين أن يؤدي وجود أفراد عسكريين من حلف شمال الأطلسي في المدن الأوكرانية الرئيسية إلى ردع الأعمال العسكرية الروسية ومنع احتلال المدن الأوكرانية الحيوية مثل أوديسا.
في تقدير بعض المراقبين، لم تعد أوكرانيا قادرة على الدفاع عن نفسها. وكما ورد سابقًا، فقد الجيش الأوكراني زمام المبادرة، مما أدى إلى إستراتيجية تؤدي إلى إبطاء التقدم الروسي الحتمي، وذلك باستعمال طائرات من دون طيار FPV وتكبد تكاليف مشاة عالية بسبب ندرة المعدات.
ولهذا السبب، ربما يفكر الغرب في التدخل في أوكرانيا، وخاصة في أوديسا. إذ لا يمكن تصور بأن الغرب يسمح للروس باحتلال أوديسا وتحويل أوكرانيا إلى دولة حبيسة. وقد يكون هذا نقطة اشتعال صراع كبير.
وفقا للروس، أنشأ جهاز المخابرات السرية البريطانية MI6 ما يسمى بمبادرة ضمان استقلال أوكرانيا في عام 2024. ورغم أن التفاصيل غامضة، فإن خطة التدخل تبدو واضحة.
ويزعم الروس أن ذلك يتضمن نشر قوات الناتو في أوكرانيا لتأمين الحدود مع بيلاروسيا وبالقرب من نيكولاييف، لإنشاء حاجز بشري في الطريق إلى أوديسا.
في الواقع، يقوم الأوكرانيون ببناء خطوط دفاعية، لكن التفاصيل المتعلقة بمداها ومواقعها الدقيقة لا تزال غير واضحة. ومع ذلك، يبدو أن السؤال لم يعد "هل" سيرسل الغرب قوات الناتو إلى أوكرانيا، بل "متى". وتشير القرائن إلى احتمال تدخل دول الناتو عندما تفتح القوات الروسية الجبهات الشمالية الشرقية وتتجاوز زابوروجي.
وفي قاعدة بالقرب من قرية سينكو الرومانية، يجري بناء ثكنات ومستشفى ومستودعات لاستيعاب ما بين 4000 إلى 6000 جندي فرنسي و50 دبابة من طراز لوكلير. تطلب هذا الجهد إعداد جميع البنية التحتية لعدد كبير من الجنود والأسلحة الثقيلة، حيث قدمت باريس معدات البناء الثقيلة وساهمت بوخارست في البناء والمواد. ويُعرف ذلك في فرنسا باسم "خطة الاستجابة التدريجية" النشطة منذ عام 2022. ويوجد حاليا نحو 1500 جندي فرنسي هناك.
وأوضح ماكرون لزيلينسكي أنه إذا طلب من فرنسا الدفاع عن أوديسا على سبيل المثال، فيمكنه الاعتماد على فرنسا. وقد أشار زيلينسكي إلى أنهم يديرون الأمور في الوقت الحالي. من الواضح أن زيلينسكي لا يدير أي شيء سوى شراء الوقت لبناء البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي على الحدود. ومن الجدير بالذكر أن رومانيا بحاجة إلى تغيير تشريعاتها لاستضافة مثل هذه القوة الأجنبية القوية.
وتناقش القنوات التلفازية الفرنسية، حاليَا، بجدية الخيارات العسكرية المحتملة التي تنطوي على قوات غربية في أوكرانيا. وقال رئيس أركان القوات البرية الفرنسية إن الجيش يستعد للمشاركة في الصراعات "الصعبة".
وبالتزامن مع القاعدة الفرنسية، بدأت رومانيا في بناء قاعدة عسكرية أخرى، ستكون الأكبر في أوروبا، وقادرة على استيعاب 10 آلاف عسكري. وتُبنى هذه المنشأة، التي تبلغ تكلفتها حوالي 2.5 مليار يورو، على القاعدة الجوية الحالية في كونستانتا. ويستثمر الناتو المليارات في المصانع العسكرية وتحديث المعدات منذ عام 2022، مع تكثيف كبير في العام الماضي.
هذه حرب لا يريدها معظم الناس، لكن في بعض الأحيان، تولد صراعات كبيرة من حركات وأحداث صغيرة يخطئ في تقديرها أولئك الذين يرغبون في تجنب الحرب.
ولحلف شمال الأطلسي بالفعل أفراد عسكريون في أوكرانيا، ومعدات تشغيل وتدريب قوات. ويعتقد بعض المراقبين أن قوات الناتو قد تم دمجها في الفيلق الأجنبي الأوكراني. ومع ذلك، فإن أهمية هذا تتضاءل مقارنة بما قد يحدث في تدخل كبير غير ذي صلة.
ونشر قوات حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا قد يجعل من المستحيل تحديد مناطق القتال. من شأن الحرب الإلكترونية الروسية أن تتسبب في أضرار اقتصادية كبيرة في الدول الأوروبية، حيث تسد الغواصات الطرق التجارية. وقد تحدث فوضى حقيقية، ولا يستطيع أحد السيطرة على العواقب. ربما نمر بلحظة سياسية عالمية مأساوية.
لا يستطيع الروس أن يفوزوا في هذه الحرب بالطريقة التقليدية، حتى في ظل اقتصاد الحرب والتعبئة، لكن الضرر في أوروبا سيكون هائلاً